Connect with us

History

أنا السلطانة هرم و هذه قصّتي الحقيقية

insatpress

Published

on

[simplicity-save-for-later]

 أنا السلطانة هرم. حكايتي هي حكاية امرأة مسحت من على صفحات القدر بنود العبودية و أعادت صياغة مصيرها بأحرف السلطة. احتلّت أخباري مجالس العامّة و الخاصة من السفراء و ملوك الشرق و الغرب فذاع سيطي كأحد أبرز نساء القرن السادس عشر. دعوني أطلعكم على الحقيقي من سيرتي لأصحّح ما حرّف منها و أخبركم بما لا يعلمه الكثيرون عن الدور السياسي الذي لعبته كمستشارة للسلطان.

 

نشأتي و أصولي

أدعى في الحقيقة ألكساندرا أناستازيا ليسوفسكا . ولدت حوالي 1505 ميلادي في منطقة ريتونيا التابعة آنذاك للتاج البولندي و الواقعة اليوم في أوكرانيا. عرفت في المصادر التاريخية الغربية باسم روكسيلانا المشتق من المكان الذي جئت منه. أنا من عائلة مسيحية اورثودوكسية و اختفلت المصادر حول كون أبي فلّاحا أو قسّا. اختطفني تتار القرم في أحد مداهماتهم المتكرّرة على قرى أوروبا الشرقية و بعت كأمة في القرم ثم اسطنبول حتى وصلت إلى حريم السلطان أو الحرملك في نفس السنة التي تولّى فيها السلطان سليمان القانوني العرش أي في 1520 ميلادي.

 

حياتي في القصر القديم

ما لا يعرفه الكثيرون عن الحريم أنّه لم يكن في بادئ الأمر ملحقا بقصر السلطنة توبكابي حيث يقيم السلطان و يدير شؤون الامبراطورية، بل كان قائما في القصر القديم . عنى ذلك أنني عشت خلف أسوار القصر في مجتمع هرمي مغلق تتصدّره والدة السلطان ثم أخواته ليتذيّل الترتيب العبيد من أمثالي. تردّد السلطان سليمان على القصر بضعة أيام في الأسبوع كما أرسلت الإماء إلى قصره الرئيسي. أرسلت له كهدية في ليلة غيّرت قدري و جعلت السلطان يقع في حبّي لأهتدي إلى سلّم الحرية و السّلطة أخطوه بمرور السنوات درجة تلو الأخرى. لم أعرف بجمالي بالقدر الذي برزت به طبيعتي المرحة و الحيويّة فسمّاني السلطان « هرم » أو صاحبة البهجة. تميّزت عن باقي المملوكات بحبّي للشعر فكان ذلك قاسما مشتركا بيني و بين السلطان الذي تبادلت معه الرسائل و الأشعار. خلال إقامتي في القصر القديم تشاجرت مرارا مع ماهيدفران التي كانت آنذاك أم وليّ العهد الأمير مصطفى قبل إعدامه في وقت لاحق. قبل مجيئي، لم تكن هي دائما المرأة الاولى في حياة السلطان. موت أولاد السلطان الأكبر من مصطفى من نساء أخريات هو ما رفع مكانتها في الحريم و جعلها منافستي المباشرة

تحريري من العبودية و زواجي من السلطان

في حين لم يكن يسمح للإماء بإنجاب أكثر من ابن، أنجبت أنا بين 1521 و 1531 الأمير محمّد، ثم السلطانة مريم، يليها الأمير عبدا لله الذي توفي في سن صغير بالجدري ثمّ الأمراء سليم و بيازيد و جيهانغير. و لم ينجب السّلطان لاحقا أطفالا من نساء أخريات في دلالة على إخلاصه لي.

انتقل الحريم إلى القصر الذي يقيم فيه السلطان في أوائل ثلاثينات القرن السادس عشر بعد نشوب حريق في القصر القديم في تناف مع المبدأ الذي يحظر على النساء التواجد بشكل دائم في المكان الذي تدار فيه شؤون الدولة .قرّبني انتقالي إلى توبكابي أو القصر الجديد من مركز القرار و خدم تعاظم دوري ليس فقط داخل الحريم بل داخل القصر برمّته.

حررّت من العبودية و منحت لقب « خاصكي سلطان » و هو لفظ تركي قديم مشتقّ من الكلمة العربية « الخاصّة » التي تقابل لفظ « العامّة » فصرت بذلك مفضّلة السلطان و حاملة للفظ « سلطان » الذي ميّز أفراد السلالة. حوالي 1533 تزوّجني السلطان في سابقة في التاريخ العثماني حيث لم يحدث أن صارت أمة سابقة الزوجة الرسمية للسلطان. أرّخ للزّواج كحدث مهيب لم تشهد له المملكة مثيلا.

على عكس ما ينصّ عليه العرف، لم ألتحق بأحد من أبنائي حال استلامهم إمارات تابعة للسلطنة بل بقيت في العاصمة إلى جوار السلطان سليمان.

مظاهر تأثيري السياسي في الإمبراطورية العثمانية

على عكس ما سوّقت له الدراما التركية، كنت بمثابة مستشارة سياسية للسلطان سليمان. حين كان يغيب السلطان أثناء الحرب، تولّيت نقل أخبار القصر و العاصمة إليه. علاوة على ذلك، تكشف رسالتان تم العثور عليهما كنت قد بعثتهما إلى ملك بولندا « زغمونت الثاني أوغست » الدور السياسي الذي لعبته. تبادلت معه عبارات التهاني بتوليه العرش، ثم في وقت لاحق إعراب السلطان عن الصداقة التي جمعت المملكتين. كنت بتلك الطريقة السلطانة العثمانية الوحيدة التي راسلت ملكا. في أحد رسائله إلى الملك « زغمونت الثاني » أشار إليّ السلطان بعبارة « زوجتي و أختكم » في إقرار بأنني أصيلة مملكة بولندا و زوجة السلطان العثماني. سمحت هذه الصلة للمملكتين بالحفاظ على سلام دائم وسهّلت التجارة بينهما.

كتب نافاجيرو سفير البندقية لدى السلطنة العثمانية في 1553: « لم يسبق قطّ أن تمتّعت امرأة في القصر العثماني بسلطة أكبر « 

أعمالي الخيرية

كنت سلطانة مهتمة بالأعمال الخيرية و شملت المنشآت التي أمرت بتشييدها تركيا و مكّة و القدس. بدأت بمجمّع خاصكي سلطان الذي شمل مسجدا، مدرستين قرآنيّتين، نافورة و مستشفى نساء قرب سوق العبيد. بنيت مجمعات أخرى في أنقرة و أدرنة و حمّاما مجاورا لجامع آيا صوفيا. أمّا في القدس ففتحت تكية خاصكي سلطان التي قدّمت الحساء لقرابة 500 شخص مرّتين في اليوم وأخرى في مكّة.

تصوّرات خاطئة عن حياتي

على عكس ما سوّقت له  الدراما التركية، لم تحاول ماهيدفران تسميمي. تمّ إرسالها مع الأمير مصطفى إلى إمارة مانيسا في 1533 و لا دليل يثبت تورّطها في موت الأمير محمد بالجدري سنة 1543.

رغم توتّر العلاقة بيني و بين الوزير الأكبر إبراهيم باشا، فإنّ السبب الرئيسيّ لإعدامه في 1536 يكمن في تعاظم نفوذه و اتّساع صلاحياته ممّا شكّل في نظر السلطان تهديدا و لا إثبات على مؤامرة من أي نوع.

أعدم الأمير مصطفى في 1553 بسبب خوف أبيه من حدوث انقلاب عليه و لا دليل ملموس على تحاملي عليه.

لم يقع اختطافي كما في المسلسل.

 

توفّيت في 15 أبريل 1558 و قد تركت ميراثا من المنشآت الخيرية. لكن تراثي الحقيقي يتمثّل في تمكين النساء من الحكم في السلطنة العثمانية. سلطنة النساء هي حقبة تاريخية تميّزت بتأثير بالغ للسلطانات النساء على شؤون الدولة في الإمبراطورية العثمانية. السلطانة قسم هي خير مثال على رغبة السلطانات في تسيير شؤون الحكم. مثّلت سيرتي مصدر إلهام للأدباء و المؤرخين الذين كثيرا ما خلطوا الحقيقة التاريخية بالخيال و الإشاعات.

 

بقلم: محمد علي التفاحي
Instagram : @mohamedalitoufahi

Share your thoughts

Continue Reading

Made with ❤ at INSAT - Copyrights © 2019, Insat Press