Connect with us

À vos plumes

تنفّس فالرّوح مختنقة

Avatar

Published

on

[simplicity-save-for-later]

كره و غضب و المزيد من الغضب هو ما يجول في خاطري… أفكار سوداء مظلمة زادها الغضب لمسة عنيفة تجعلني أريد أن أبيد العالم … أو أبيد نفسي… و هنا انا أحرق روحي بهذا الغضب الذي ما عدت أعلم سببه فأنا حانق طول الوقت أحاول تهدئة براكين تغلي في صدري جراء هذا الواقع اللعين… كرهت هاته الحياة المليئة بالنّكسات و سوء الحظّ و سوء نيّة الجميع و نفاقهم و ما عدت أشتهي شيئا سوى الرّحيل إلى أرض أجد فيها سلما يحيي روحي و يطفئ حمم الغضب داخلي…

لماذا أنا غاضب؟ الأسباب عديدة منها ما هو مدفون يحمل غبار السّنين و منها أسباب تافهة من يومي الذي يسوده روتين قاتل يحاول التّسلّل و غرس أصابعه السّامة في كلماتي و أنا أحاول جاهدا أن أجعل هاته الكلمات تحمل لمسة تجدّد علاقتي مع ذاتي و تنفخ بنسيم خفيف يجعلني أرتشف قليلا من الأمل… لكنّي محبّ للقهوة و لا يعجبني المذاق الحلو الكاذب. أريد ما يجعلني أنتشي حتّى و إن كان بطعم الحنظل .. ربما ذلك هو السّبب في إنغماسي في التّفكير العميق المرهق و الذّي يسعني أن اّخرج منه إلا و أنا على حال واحدة: غاضب، أحمل أعاصير تهدمني من الدّاخل و لا تطفو على السّطح فصورتي الخارجيّة نقيض للأنقاض التّي تراكمت وأنقضت ظهري… سأبتسم و أنا غاضب و أضحك و أنا غاضب و ربما أحب و أنا غاضب و لن يعلم أحد بذلك فبعض الأمور إن أظهرتُها خسرت من حولي .. ألا يكفي أنّي كلّ يوم أخوض معركة ضدّي محسومة منذ البداية؟ وعدت نفسي أن أحاول التّخلّص من هاته العلّة لذلك سأتنفس .. سأدخل الهواء المحمّل بغبار النّكسات و الهزائم إلى رئة قاحلة حملت أثقالا أعظم من الجبال أبت أن تخفّ بتنهيدة… والتّنهيدة يفترض بها أن تحمل نشوة عابرة لكن تنهيدتي كبحت و كتمت و جرحت و دفنت و عذبت و جعلتني اُعدّد مفردات قاتمة… بحثت الطّريق فوجدت لافتة كتب فيها « هنا البداية و هنا النّهاية و بينهما زحمة من اللّاشيء  » حاولت ان  أستنير بشمعة كانت أنيسي و لكن لا رفيق يواصل معك حتى نهاية الدّرب… و إنطفأت الشّمعة و تركتني أنتفض في أكوام من الفراغ و ذلك اللاّشيء الذّي أخبرتني عنه اللاّفتة و حاولت أن أستنير بالماضي ربما أجد ما يجلب السّلم و يمدني بما أكبح به جماح غضبي… فتحت ذلك الصّندوق العتيق القابع في ذاكرتي فوجدت أعواد كبريت أشعلتها الواحد تلو الآخر بغية أن أنير الدّرب و كما فعلت الشّمعة فعلوا… إحترقوا و زالوا… ساد الظّلام و بقي عود واحد أشعلت به سيجارة و جلست شاردا أفكر… و في هذا الفراغ يتصاعد دخان قاتم من سيجارتي فيرسم طيفا و بضعة أشكال تلوّنها مخيّلتي فتتجسّد مخاوفي و طموحاتي و تتراقص مع النّسيم الذّي ينبعث من النّافذة و حين يتلاشى الطّيف أقبل تلك السيجارة مجددا و أتنفّس دخانها و أملأ به صدري الجريح فيضع بصمة زادت من سواد ذلك الدّخان و أخرجه ليكمل رقصه أمامي… أنتشي حين أتنفسه و أنتشي بمشاهدته و هو يندثر في الفضاء و أبقى على تلك الحال حتى تحترق السّيجارة بالكامل و تتركني حائرا أتخبّط وحيدا… هي قاتلة و لكنّها أقلّ ضررا من الواقع اللّعين… أرميها و أمضي قدما تاركا ذلك الطّيف يداعب تفكيري حتى يحين الوقت و أنفخ فيه الرّوح بسيجارة أخرى… أعلم أنّ التّدخين و إن كان قاتلا فهو وسيلة أخمد بها نيران الغضب داخلي… و إن كانت سيجارة ستقتلني فلتفعل ذلك لأنها على الأقل جعلت ذهني صافيا لبرهة و إحترقت من أجلي و هي أفضل من غضب أحرقني… فإن كان لابدّ للنّار أن تحرقني فأودّ لو اُشعل منها سيجارة و بعدها فلتشتعل في ذلك الجسد المنهك والرّوح المتعبة، رغم أنّ كل النّيران حارقة إلاّ أنّ نار سيجارتي برد و سلام.

Share your thoughts

À vos plumes

مقتطف من رواية عائدون

insatpress

Published

on

[simplicity-save-for-later]

By

ما بي؟

أتريدون أن تعرفوا ما بي؟ أتعلمون ما أكثر شيء أكرهه في نفسي؟ ليس غروري ولا جشعي ولا شهوتي ولا حسدي ولا شراهتي ولا غضبي ولا كسلي، إنّ كلّ ما أكرهه في نفسي هو كوني بشريّا، إنّ البشر لمنافقون جدّا، إنّ القرطاجيّين يرونني بطلا بينما الرّوم يرونني وحشا، بتُّ لا أدري ما أكون، أصبحت لا أعرف الصّواب من الخطأ، الشّمس ما عادت تحرق جلدتي، أرفع رأسي فلا أرى السّماء الّتي اعتدت أن أراها، لا أرى القمر الّذي اعتدت أن أراه، أنزله فلا أرى الأرض الّتي اعتدت أن أراها، أصبح كلّ شيء مشوّشا في هذا العالم، كلّ ما أراه هو التّفاهة والحماقة والسّذاجة، إنّنا نتقاتل ونتحارب ونتهافت من أجل أسباب تافهة، من أجل قطعة أرض، من أجل الانتقام، من أجل المجد، من أجل الشّهرة، من أجل السّلام! أجل، إنّ البشر يتقاتلون كي يحلّ السّلام بينهم! إنّني لا أحتمل البشر ولا وجودي معهم ولا حتّى وجودي مع نفسي، إنّنا لا ننفك نكذب على أنفسنا، كلّنا نبحث عن أشياء ستزول يوما وإذ بنا نسينا أنّنا سنزول يوما نحن أيضا!

أتعلمون لمَ عساني شخصا متديّنا؟ ليس طمعا في الجنّة أو في خيراتها، بل خوفا من الجحيم، وليس خوفا من النّار الّتي فيه أو الألم، بل خوفا من أنّني سأجد البشر هناك، إن حصل ودخلت الجنّة، فإنّني سأطلب من الإله أن يعفيني من كوني بشريّا، أن أكون رمادا منثورا

إنّ كوني آدميّا يقتلني، إنّي أقول لكم أنّ ملكة العقل لمحض عذاب، إنّني حبيس نفسي، حبيس أفكاري، ولا أدري ما سبب شقائي، أهو قربي من الحقيقة أم بعدي عن الإله

لقد حاولت ألّا أكون كبقيّة البشر وأكون شخصا متفرّدا لا ينتمي إلى القطيع، وإذ بي أتحسّس رأسي فأجد قرونا، فلا أدري أهي قرون القطيع أم هي قرون الشّيطان الّذي صرته. أينما يحلّ البشر يحلّ معهم الخراب، إنّنا نبني، ثمّ نهدم بأيدينا ما بنته أيدينا

البارحة كنت قد رأيت فتاة، فقدت والدها بسبب حربنا، يبكي القلب حزنا ويذرف دما لرؤية ذلك الوجه البريء الّذي يقاسي بسببنا، ما ذنبها؟ هل أصبحت الولادة في الجانب المهزوم ذنبا؟ ترتعش نفسي اشمئزازًا وتنقبض ازدراءً بما فعلته بهذه الصّغيرة، إنّكم لم تروا الوجل ولا القنوط في وجهها، إنّ آذانكم غير قادرة على سماع أنين الأطفال المتأوّهين! عيونكم غير قادرة على رؤية صنوف الشّقاء وألوان الآلام الّتي تعانيها تلك المسكينة! دموع تلك الصّغيرة لهي أشرف من وجودنا وحياتنا ومبادئنا ومعتقداتنا

لقد كرهتُ نفسي، ونسيت أنّني لست نفسي! إنّني نتاج كلّ الوجوه الّتي قابلتها في حياتي، كلّ جزء منها يحيز جزءًا منّي، إنّني جزء من العالم والعالم جزء مني، لا ليس جزءًا فقط، بل كلّي، إنّ العالم يحوزني كلّي ولم أحز شيئا من نفسي، إنّني العالم والعالم أنا، لا يجب أن ألوم نفسي، فلا وجود لذاتي! إنّ أفكاركم أصبحت أفكاري، لقد جعلتني الحرب محاربا، إنّني لا أريد أن أكون محاربا، لكنّي أصبحت محاربا، آكل مثل المحاربين وأنام مثلهم وأفكّر مثلهم! فقدت ذاتي هناك، ولهذا السّبب فإنّي ألوم كلّ من كان سببا في هذا، وأبدأ بلوم كلّ الحاضرين الآن أمامي، وعلى رأس القائمة ألوم نفسي، فبالرّغم من كلّ القوّة الّتي اكتسبتها لا أزال ضعيفا، ضعيفا أمام عدوّي، هي نفسي أم هو العالم

عائدون – أحمد بن رجب

Share your thoughts

Continue Reading

Made with ❤ at INSAT - Copyrights © 2019, Insat Press