Connect with us

Culture

شورب » …. بطل أو مجرم ؟ »

Avatar

Published

on

[simplicity-save-for-later]

علي بن البشير الصغير شهر علي شورب أصيل الحلفاوين بالعاصمة. كان نموذجا للباندي في عصره وذاع صيته لدرجة أن الحبيب بورقيبة تحدث عنه في خطاباته كونه رمزا للتمرد والفوضى. الصعلوك الشهير كان يعرف ببطشه وقوته ما جعله مهابا في أصقاع العاصمة كما عرف بوجله من أمه و «رجوليته» ما جعله محل احترام.

يعود علي شورب بعد 46 سنة من وفاته ليكون بطل مسلسل تبثه قناة التاسعة بمناسبة شهر رمضان. «شورب» بطولة الممثل الشهير لطفي العبدلي تميز بمشاركة طاقم فريد من الممثلين منهم على وجه الذكر لا الحصر: دليلة مفتاحي، فريال يوسف، محمد السيّاري، نجلاء التونسية وزياد التواتي… كما شارك فنان الراب بلطي في العمل الدرامي من خلال أغنية المقدمة.

ينطلق العمل الدرامي من شخصية علي شورب ومغامراته، معاركه ومحيطه ليسلط الضوء على حقبة الخمسينات والستينات من تاريخ تونس ويناقش عدة قضايا سياسية اقتصادية واجتماعية من تلك الفترة. إذ ينتقد الانتهازية والتفريط في المناصب، الفساد عند أصحاب السلط، النزاع البورقيبي اليوسفي. كما يشير إلى قانون الغاب الذي مازال مخيما على الأحياء الشعبية في تلك الفترة، التضحية للولاة والعبادة بمقاماتهم، القرارات السياسية التي واجهت التقاليد الاجتماعية من استهلاك للـ» التكروري» والتضحية بالزوايا. كما ذكر المسلسل بعدة ظواهر اجتماعية تمكنا من تخطيها جزئيا في عصرنا الراهن كسلطة الرجل على المرأة وتعنيفها، زواج المصالح، احتقار المرأة المطلقة…

كان علي شورب ما يزال طفلا عندما شاهد والده يلقى حتفه على يد جنود المستعمر وقد عاش معظم طفولته في الإصلاحية. طفولة مظلمة جعلت منه مجرما قاسي القلب، سريع الغضب، شرسا في القتال ومهابا لدى الجميع. غير أنه كان يكن لأمه حبا جما وتقديرا منقطع النظير جعل من أعدائه وخصومه يرون فيها نقطة ضعفه.

شخصية شورب تميزت بمفارقة عجيبة، فمن ناحية هو المنحرف الذي أتى كل الممنوعات ومن ناحية أخرى فهو مثال للرجولة والشهامة إذ يحترم النساء، يدافع عن الأطفال، يبر أمه، يمقت الغدر ويسعى لتحقيق العدل.

نقل المسلسل حياة الباندي في عدة حالات، من سيد السوق إلى وراء القضبان، ليعود فيما بعد ويتاجر التكروري رغم قرار منعه عبر القانون. ثم يتحول شورب إلى مجرم مطلوب لدى العدالة ليعود فيما بعد للسجن بعد خطة دنيئة حبكها له جملة من أعداءه…

ولم ينجح المسلسل في نقل حياة علي شورب فحسب بل ونجح في أخذ المشاهدين إلى منتصف القرن العشرين بتونس من خلال مواقع التصوير الفريدة، الديكور المناسب، الملابس والمكياج المتميز، سيناريو وحوار غنيان بالتقاليد والمراجع عن تلك الفترة.

تميز شورب عن غيره من المسلسلات بتسليطه الضوء على حقبة قلما أثارتها الأعمال الفنية وتمكن من خلال القصة الفريدة من تثمين عدة قيم ومبادئ. وقد نجح العبدلي في تقمص دور الباندي كما إن دليلة المفتاحي تعود لتلعب دور الأم التونسية التقليدية بإتقان. بيد أن بعض الأدوار بدت مسقطة كما لم تساهم بشكل فعال في بناء القصة كبدر في دور فريال يوسف. بل إن الممثلة نفسها أكدت ذلك عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كاتبة عن عدم اقتناعها بالدور واستيائها من المخرج. ربيع التكالي وإن تمكن من تقديم شخصيات البطولة وإحاطتها من مختلف الجوانب فإنه قد أهمل باقي الشخصيات ولم يحسن توظيف بعض المواهب. أما من الناحية الفنية فقد تميز المسلسل بموسيقى وتأثيرات منسجمة مع القصة والتي مكنت المشاهد من عيش مغامرات شورب والإحساس بمعاناته. القصة جملة كانت متميزة سيناريو وحوارا فقد كان الحوار ثريا بمعجم من التقاليد ولغة شعبية متميزة. وهو ما أسند للقصة بعدا واقعيا أحس من خلاله المشاهد أنه يتابع سيرة ذاتية لعلي شورب. بيد أن الفكرة وإن بدت فريدة من نوعها على مستوى الساحة الفنية التونسية. فإنها من خلال السيناريو لا تختلف عن غيرها من الدراما التونسية فتعود بنا إلى أجواء استهلاك المخدرات، العنف والسجون… مواضيع ومشاهد أصبحت تقليدية في كل المسلسلات التونسية وفي كل شهر رمضان.

 

هذه الشخصية المتناقضة أثارت الجدل في الوسط الاجتماعي بين من يرى في شخصية شورب بطلا استحسن تكريمه وبين من رفض العمل الفني فكرة ومحتوى.

أما من دافعوا عن المسلسل فقد أشاروا إلى دور هذا المسلسل في تثمين المبادئ وقيم الـ» رجولية» وتقدير الأم. فيما نقده آخرون لما احتواه من مشاهد عنف ومشاهد أخرى غير لائقة بشهر رمضان. كما رأوا أنه كان أوجب تصوير أحد العلماء أو المناضلين الذين يستحقون التكريم.

رغم الجدل الذي أثاره المسلسل فقد تمكن من افتكاك الصدارة في نسب المشاهدة في بداية شهر رمضان. هذا وقد رفعت عدة قضايا في حق المسلسل بغية إيقافه منها قضية من طرف عائلة علي بن البشير الصغير لاحتواء المسلسل بعض المغالطات التاريخية.

العمل: مسلسل «شورب»

ﺇﺧﺮاﺝ: ربيع التكالي

ﺗﺄﻟﻴﻒ: رياض النفوسي ويسري بو عصيدة (سيناريو وحوار)

مدير التصوير: عصام سعيدي

مهندس الصوت : شوقي الكعلي

موسيقى: عصام الحمايدي

أغنية الجنريك: بلطي و صالح فرزيت

Share your thoughts

Continue Reading

Culture

الهايكو: من أرض الشّمس المشرقة إلى لغة الضّاد

insatpress

Published

on

[simplicity-save-for-later]

By

بدأ الأمر بقراءةٍ عادية. كنتُ أتنقّل بين صفحات كتاب «ماتسو باشو: أعمال الهايكو الكاملة»، قبل أن أجد نفسي مأخوذًا إلى عالمٍ آخر، حيث تسكن الكلمات في صمتها أكثر مما تُنطق. كانت مقدّمة الكتاب بوابةً إلى عالمٍ شعريٍّ غريبٍ وساحرٍ. عالم يُعيد تعريف الشعر من جديد. لم أكن أتوقّع أنّ قصيدةً من ثلاثة أسطر فقط يمكن أن تحمل هذا القدر من العمق، وأن تجمع في سطورها الصمتَ والدهشة والتأمّل في آنٍ واحد. وهكذا انبثقت فكرة هذا المقال من لحظة دهشةٍ خالصةٍ. ء

نشأ الهايكو في اليابان القديمة، بين المعابد والجبال وضباب الفجر، حين كانت القصيدة مرآةً لحياةٍ متأمّلة في الطبيعة. في بداياته كان يُعرف بـ الهايكاي، شكلٌ من أشكال الشعر الشعبي، يلتقط الحياة اليومية بلمسةٍ ساخرة أحيانًا، ومتصوّفة أحيانًا أخرى. لكنّ التحوّل الحقيقي جاء مع ماتسو باشو، الذي جعل من الهايكو دربًا للرؤية لا للقول. كان باشو يرى الهايكو ككائنٍ حيّ، يتبدّل مع الفصول، ولا يكتمل أبدًا. ما يفعله الشاعر، في نظره، هو أن يمنحه شكلًا جديدًا دون أن يقطع جذره. كان دائما يُعبّر لتلاميذه بأنّ الهايكو كالماء، لا يتجمّد في شكلٍ واحد، و يعلّمهم أن الشعر ليس في الوزن ولا في الصورة، بل في طريقة النظر إلى الأشياء. أن تكتب هايكو يعني أن تنصت للعالم في لحظةٍ نقيّة، حيث تتلاشى المسافة بين العين والشيء المنظور. هكذا صارت قصيدة الهايكو، بتلك المقاطع الثلاثة (5 أصوات -7 أصوات -5 أصوات — والصّوت في اليابانيّة يُعادل المقطعَ الصوتيّ في العربيّة تقريبًا )، تمرينًا على الإصغاء والسكينة، لا على البلاغة. ومع باشو، غادر الهايكو الطرافة إلى الحكمة، والعادة إلى الاكتشاف. ء

وحين تجاوز اليابان، لم يفقد روحه بل اكتسب ألسنةً جديدة. ترجمته اللغات الغربية في القرن العشرين، ففتن شعراء الحداثة في باريس ولندن ونيويورك مثل بول إلوار وريمون كينو، ثمّ دخل الجامعات والمجلات الأدبية بوصفه نموذجًا مكثّفًا للشعر الحديث. ومع العولمة، صار الهايكو يُكتب بالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، متجاوزًا حاجز اللغة نحو الإحساس الإنساني المشترك. ومع هذا الانتشار، تخلّى الشعراء في اللغات الأخرى عن البنية الصوتية الأصلية (5–7–5) التي يصعب تطبيقها خارج اليابانية، لكنهم حافظوا على روح الهايكو: تلك اللمحة الخاطفة التي تلتقط لحظةً من الزمن أو انفعالًا داخليًّا صافيًا. لم يعد الشكل هو المقياس، بل القدرة على الإصغاء إلى العالم في لحظة صفاء. صار يُكتب في مدنٍ لا تشبه كيوتو، ويصف فصولًا لا تمرّ من هناك. لكنه احتفظ بقدرته على التقاط اللحظة، وعلى جعل الصمت شكلًا من أشكال المعنى. ء

في العالم العربي، وصل هذا الفن متأخرًا، لكنّه وجد أرضًا خصبة في نفوس الشعراء الذين سئموا الضجيج. في الشعر العربي الحديث، نلمح أصداءه عند عزّ الدين المناصرة الذي كتب ومضاتٍ مشبعة بروح الهايكو، وعند نزار قباني في بعض نصوصه الأخيرة التي تمسّ اللحظة دون شرح. كما نجد لدى عبد الكبير الخطيبي تأمّلاتٍ تتقاطع مع فلسفة باشو في النظر إلى الوجود من بين التفاصيل الصغيرة. أما سامح درويش فذهب أبعد في صياغة تجربةٍ عربيةٍ للهايكو، تنبع من الواقع العربي وتظلّ متصلة بجذرها الشرقي. وقد أسهم مترجمون وشعراء عرب في مدّ هذا الجسر الثقافي بين طوكيو وبغداد ودمشق وتونس. أعمال عبد الكريم كاصد، محمد عضيمة، محمد الأسعد، وجمال مصطفى كانت أكثر من ترجمة؛ كانت محاولات لالتقاط النفس الهادئ الذي يتسلّل بين كلمات باشو وبوسون وإيسّا، ونقله إلى العربية دون أن يفقد شفافيته. ء

مع دخول الهايكو إلى لغة الضاد، تغيّر شيء في الطريقة التي نفهم بها الشعر. لم يعد النصّ استعراضًا لغويًا، بل لحظة وعيٍ بالعالم. فقصيدة الهايكو العربي أصبحت مرآةً لعلاقة الشاعر باللحظة، وبالزمن، وبالعزلة، وبما لا يُقال. إنّها تجديدٌ في طريقة رؤية العالم أكثر منها في طريقة الكتابة عنه. وما يثير الإعجاب أنّ الهايكو لم يُلغِ خصوصيّة الشعر العربي، بل حرّرها من ثقل البلاغة، وجعلها أكثر قربًا من نبض الإنسان. فقد كشف للشاعر العربي أنّ الجمال لا يقاس بوفرة الصور ولا بزخرفة البيان، بل بصفاء اللحظة وصدقها. أعاد إليه حسّ الدهشة الأولى أمام الأشياء البسيطة: غصنٍ يلوّح في الريح، ظلٍّ يتقلّص عند المغيب، نظرةٍ عابرة تُوقظ في القلب ذاكرة كاملة. ء

حين انتهيت من قراءة باشو، لم أعد أنظر إلى الوردة كما كنتُ أنظر إليها من قبل. فقد صرتُ أراها قصيدةً كاملة في لحظة تفتّحها، شعرت أنّ القصيدة يمكن أن تُقال في نفسٍ واحد، وأنّ الهايكو ليس مجرّد نوعٍ من الشعر، بل رؤيةٌ للحياة، طريقٌ نحو البساطة، نحو التوقّف عن الركض والعودة إلى الإصغاء.
لقد تجاوز هذا الفنّ اليابان والعربية، ليصبح لغةً كونيّةً للدهشة، تُذكّرنا أنّ الجمال لا يحتاج إلى شرح، بل إلى لحظة صدق. هو الشعر حين يلتقي بالصمت، والوعي حين يلمس اللحظة. ء

ربما لهذا السبب لم يمت الهايكو منذ قرون، بل ازداد حياةً كلّما وُلد شاعرٌ جديدٌ يراه بعينٍ مختلفة. ء

حين يهمسُ الرّيح في بستانٍ قديم
يبتسم باشو في مكانٍ بعيد
ويَكتُبُ شاعرٌ عربيٌّ… هايكو جديد

بقلم: إياد بنسليمان

Share your thoughts

Continue Reading

Made with ❤ at INSAT - Copyrights © 2019, Insat Press