Actualités
كفاكم سبات

Published
4 ans agoon
[simplicity-save-for-later]
« موت يسير معه رحمة خير من العسر وطول البقاء
وقد بلونا العيش أطواره فما وجدنا فيه غير الشقاء »
أبي العلاء المعري
قد تصّح دعوة المعري في هذا البيت لمغادرة هذه الحياة عندما تكون مجرّد إنسان قذفتك الأقدار في مستنقع اسمه تونس.
تونس تسلب الإنسان عقله وروحه وكلّ جوارحه ففي تونس تجوّع، تفقّر، تعذّب، تقتّل وتغتصب…
يغرق المرء في هذا المستنقع وليس هناك من مغيث، رحمة لم يرحمها أحد 29 سنة، اغتصبت ثمّ نكّل بجسدها ورمي بجثتها على قارعة الطريق.
جريمة بشعة انتفض على إثرها الرأي العام ولكنّ للأسف ليست أوّل مرّة
31أوت 2020 في القيروان عجوز ال98 عاما تغتصب و تلقي حتفها إثر الجريمة.
24 جوان 2020 مندوب حماية الطفولة يؤكد تعرض طفلة من مواليد 2004 إلى اغتصاب جماعي لمدة 3 أيام من طرف 10 أشخاص وذلك بعد تحويل وجهتها.
20 مارس 2020 فتاة تختطف في العاصمة تحاول الهرب فتسقط من الطابق الثاني ممّا أدي إلى إصابتها بشلل نصفي لكنّ هذا لم يمنع الخاطفين من التداول على اغتصابها حتّى الفجر.
27أوت2018 اختطاف طفلة ال15 سنة من قبل 4 أشخاص و اغتصابها بعد ما تمّ الاعتداء على أمّها وجدّتها.
هذه ليست إلاّ عيّنة بلغت كاميرات الصحافة في تونس ولم أشأ أن أطنب في تعديد الحالات لقذارة ما وجدت من مأسي تدمي القلوب ولا يسعني إلاّ أن أتساءل كم امرأة في تونس عاشت هذه المأساة في صمت ولم ير عذابها أحد غير ذاك الجلاّد الّذي أمتصّ أخر قطرة حياة فيها؟ كم حياة أخري يجب أن تتبخّر حتّى نبدأ بالتحرك؟ كم من كارثة ومصيبة علينا أن نتحمّل قبل أن يجّن الأنسان في هذا الخراب « المتونس »؟
صحيح أنّ دواء الألآم النسيان لكنّ ما نسمعه ونراه كلّ يوم يبقي راسخا كباقي الوشم على ظاهر اليد
حسب إحصائيّة صدرت عن وزارة العدل أنّ معدّل قضايا الاغتصاب والاعتداء بالفاحشة بلغ 16 ملفا شهريّا لسنة القضائيّة 2017-2018
وأنّه حسب استطلاع رأي 53 % من النساء في تونس تعرّضنا إلى العنف أو الاعتداء بمختلف أنواعه.
ويمكن فقط من خلال هذه الأرقام أن نعترف بأن ظاهرة الاغتصاب ظاهرة متفشيّة منذ سنوات ممّا يعني أنّها ظاهرة لم تعالج ويمكن أن نتجاهل هذه الأزمة كما نريد ولكنّ الأرقام فاضحة دوما للعيوب.
ولذلك سأحاول من خلال هذا المقال تفكيك أسبابها ومسبباتها علّني أثير بهذا انتباه كلّ من خيّر النظر بعيدا متعمدا التغييب.
أولاّ علينا الخروج عن دائرة التعريف القانوني المجرّد للاغتصاب والنظر للاغتصاب لا كقضيّة جنائيّة كالسرقة والسطو بل يجب التعامل معه كأزمة مجتمعيّة نفسّية مركبّة.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نحدّد الأسباب إلى نفسيّة-أخلاقية وكذلك إلى ما هو قانونية-أمنية.
أمّا الجانب النفسي-الأخلاقي فيكمن في طبيعة العلاقة بين الجنسين في تونس أو بالأحرى في كيفية تمثّل الرجل لهذه العلاقة إذ يريدها الرجل علاقة عموديّة قائمة على التبعيّة وتنفيذ الأوامر مهما بلغ هذا الرجل من ثقافة ومن جاه يبقي جانب الطغيان والسلطة راسخا فيه كأنّ المسألة وراثيّة ويسعفني « كارل يونغ » عالم النفس السويسري إذ يوكّد كلامي حين اعتبر اللاوعي الجماعي جزء من طبيعة الإنسان.
هذا المشكل النفسي يزيده تعقيدا مشكل تاريخي إذا عدنا بالزمن لفترة الاستقلال ونشر مجلّة الأحوال الشخصيّة.
لقد مثّلت هذه الفترة نقلة نوعيّة سريعة في طبيعة العلاقة ولكنّها خلقت في الأن ذاته قطيعة بين جزء من المجتمع والسلطة إذ لم تستوعب هاته الفئة التغييرات بسهولة -ولأنّ السلطة حينها كانت دكتاتوريّة- فكبحت مشاعر السخط والحقد والكراهيّة تجاه السلطة وحوّلتها مع مرور الزمن نحو المرأة.
إنّ الإحساس بالنقمة تجاه الضحيّة حاضر بقوّة في كلّ واقعة اغتصاب والجاني قد يكون غير واع باختلاله النفسي ولكنّه يعبّر عنه تلقائيّا من خلال التعنيف والسعي الدائم لإهانة الضحيّة وإذلالها فهو بذلك يصحّح الموازين ويستعيد تاجه المخلوع.
ويمكن لنا عبر هذا التحليل فهم الكثير عن واقع الاغتصاب في تونس: الأكيد أنّ ليس كلّ رجل في تونس مشروع مغتصب ولكنّ المغتصب في تونس سيجد الكثير من الرجال الّذين لا يهتمون للأمر ويختارون الصمت والسكون إذا ما شهدوا عمليّة تحرش وسيجد الكثير من الرجال الّذين يقذفون النساء بأرخص النعوت وأرذلها في المقاهي والمحطات …
وسيجد الكثير من الرجال اللّذين يسعدون بل يتلذذون بجريمته ويبحثون له عن مبررات تعكس ما بداخلهم من عقد.
كم أشفق على رحمة المسكينة وأنا أتصفح التعاليق المصاحبة للخبر فمعظم هذه التعليقات تتقاطع في عبارات ك « حتى هي شوف أك اللبسة »، « العرى هذاك وين يوصل »، « يخي تلبس أكاكا وتحب الراجل يغضّ البصر » وتكشف هذه التعاليق المقززة حقيقة لا جدوى من إخفائها وهي الطبيعة الحيوانيّة الّتي يفتخر هؤلاء بامتلاكها تذكرني بصورة الثور أمام القماش الأحمر
وإن كنت اعتمد أسلوب ساخرا في الردّ على هذه التعليقات فلا يفوتني أنّ أقف عند مسألة هامّة وهي الجانب الوجداني للمجتمع. هذا المجتمع وجدانيّا وعاء فارغ، هو كتلة من العقد والصراعات مع الجسد، مع الغير، مع الواقع، مع التاريخ، هو مجتمع يعيش حالة من التمزق النفسي الخطير.
أين هي القيم الدينيّة النبيلة؟ أين هو المسلم المسالم؟ أين هي خير أمّة أخرجت للناس؟ ما هذا الجفاف الأخلاقي الّذي وقعنا فيه؟
علينا أن نقف وقفت تأمّل صادقة ونحاول معالجة أنفسنا وإيجاد حبل متين يسحبنا من القاع الّذي غرقنا فيه غرقا عميقا. كيف يمكن لنا أن نكوّن جيلا متصالحا مع نفسه متزنا مشبعا بقيم الفضيلة؟
قد يكمن الحلّ في تغيير البرامج التربويّة نحو نشر الوعي واعتماد مبدئ مصارحة النشاءة بحقيقة الاغتصاب والعنف والتحرّش بدل تلك المواضيع البالية والمحاور المستهلكة ك « المرأة » و »شواغل المرأة بقلم المرأة »
وقد يكمن الحلّ كذلك في تطوير الخطاب الديني نحو تمتين العلاقة بين المرأة والرجل وتحقيق المساواة وتهذيب الأخلاق بدل الفصل بين الذكور والإناث والتأويل المشين للقرآن والسيرة النبويّة لشفاء الحقد الّذي يحمله بعض رجال الدين تجاه المرأة.
الأكيد أنّ الحلّ موجود ولكن من يتجرأ ويبدأ بتفعيله؟
الأمر موكول إلى: صاحب القرار المشرّع والقاضي والأمني ممّا يدفعني إلى التساؤل عن مدى تأثير المنظومة القانونيّة الأمنيّة في تونس في مقاومة هذه الجرائم.
فككلّ دول العالم وضعت تونس جملة من القوانين والنصوص المجرّمة للاغتصاب وتتنوع العقوبات
وتختلف دراجاتها فأخفّها عقوبة بخمس سنوات إذا كانت الواقعة دون عنف وعمر الضحيّة تجاوز الخامسة عشر وإذا كانت دون ذلك فست سنوات هي العقوبة وفي وقت ليس ببعيد كان المغتصب يفلت من عقابه بزواجه من الضحيّة
وهنا الدولة التونسيّة تعتبر أنّ الاغتصاب مجرّد اعتداء على الشرف والأخلاق الحميدة فكأنّ الاغتصاب عار لحق بالضحيّة والزواج سيستره.
حتّى مدّة العقوبة بصراحة مخجلة ولا أكترث للكلام المنمقّ عن روح القانون والتدرج في سلّم العقوبات يكفي فقط أنّي أعلم أنّ شيك دون رصيد يستوجب نفس العقوبة والتحجج بوجود العنف من عدمه حجاج هزيل ينّم عن جهل عميق بما تعيشه ضحيّة الاغتصاب، كلّ الاغتصاب عنيف يا قاضي البلاد فقط تخيّل أن يصاب سيادتكم بطلق ناري في العمود الفقري-حماكم الله طبعا-لا يمكن اخراج هذه الطلقة ستبقي مغروسة هناك حتى مماتك ذاك سيّدي هو الاغتصاب فلا تحاول تلقيننا دروسا عن فقه القانون لا أحد يهتّم لها.
وتنتقل الأحكام من خمس السنوات إلى مدى الحياة في حالة كانت الضحيّة دون الثلاثة عشر عاما فالإعدام إذا تضمّن الاغتصاب العنف أو التهديد أو القتل
قد يشفي هذا الحكم غليل البعض ولكنّ هيهات هذا الحكم وضع كي لا يطبّق. إنّه مجرّد حبر على ورق.
وهو عند البعض فخر واعتزاز لتونس بلد الحريات وحقوق الإنسان
ولهؤلاء أقول كفاكم نفاقا وتلاعبا فتونس حين تريد أن تغفل عن حقوق الانسان تسجن من يشتم رئيس الجمهوريّة المفدى وفق أحكام فصل قديم بال لا يطبّق إلاّ حين نشتهي ذلك.
وأنا أعلم أنّ الإعدام لن يوقف الاغتصاب وتجارب دول أخرى تؤكد ذلك ولكنّي مع الإعدام لأنّي متيّقن من فشل المنظومة السجون في تونس على الإصلاح ومتأكد كذلك أنّ منظومة العفو التشريعي العام في تونس وضعت فقط لمكافأة المجرمين ولذلك على هذه الدولة الفاشلة في كلّ شيء أن تتحلّى بالشجاعة وتنهي حياة ذاك الكائن المريض علّها تضمّد جراح الضحيّة ما دامت لا تقدر على تجّنب فتح هذه الجراح.
لا يمكن للدولة أن تقاوم أيّ نوع من الجرائم بنصوص قانونيّة فقط فلا بدّ من مقاربة أمنيّة للحدّ من الظاهرة
ولحدّ هذه اللحظة المقاربة الأمنيّة تتميّز بردّ الفعل في حين أنّها يجب تتّسم بالاستباق فجيّد أن السلطات الأمنيّة تقبض على الجناة في وقت قياسي إلا أنّ الأسلم أن تمنع الجريمة من الوقوع
وللأسف شوارع تونس مرعبة، غياب تام للأمن، انتشار للعنف والمخدرات بصفة جنونيّة. بالإضافة لانعدام الكلّي للثقة في الجهاز الأمني فعادة ما يكون اللجوء لمركز الشرطة أخر حلول الضحيّة مهما كانت قضيّته
وانعدام الثقة للأسف مشروع خصوصا في قضايا الاغتصاب فيكفي التذكير بقضيّة مريم في سنة 2012 الّتي اغتصبها رجلا أمن صحيح أنّ التعميم خطير في هذه المواضيع ولكنّ خطأ واحد أيضا جدير بتهشيم الثقة والمصداقيّة لأيّ شخص أو جهاز.
ربّما أطلت في هذا المقال ولكنّي –والله-ما أوفيت الموضوع حقّه وهناك قصص أخرى عديدة وجوانب لم أتطرّق إليها وتبقي الخلاصة في ظلّ كلّ ما قلت ما الحلّ؟ فكم أريد لهذا الوطن أن يتغيّر ولكن كيف؟ ليس لي إجابة. قد تكتب عشرات المقالات وقد تنتج مئات الأفلام وقد يخرج آلاف المتظاهرين ولكنّي أخشى أنّه في النهاية لن يحدث التغيير المنشود ما دام الحاكم تنطبق عليه مقولة « لقد أسمعت لو ناديت حيّا ولكنّ لا حياة لمن تنادي »
Articles similaires
You may like
Actualités
Trump’s plan : A diplomatic shift or a humanitarian crisis ?

Published
4 semaines agoon
18 février 2025 [simplicity-save-for-later]
What is going on ? What is happening ? Where are we ?
Are we moving towards a world where peace is an illusion , where the rights of the oppressed are systematically ignored and where forced displacement becomes an acceptable strategy ? The latest news from the Middle East paints a grim picture. Israel has openly backed Donald Trump’s plan and ordered its military to prepare for the mass departure of Palestinians from Gaza → a move that raises pressing humanitarian , legal and geopolitical concerns.
How does this go against international law and human rights ?
The Fourth Geneva Convention’s Article 49 forbids « individual or mass forcible transfers » of protected persons from occupied territories, and the Universal Declaration of Human Rights (UDHR) upholds the right to freedom of movement and the right not to be arbitrarily deprived of one’s home. If carried out, the forced displacement of Palestinians would be a blatant violation of international law undermining the Palestinian people’s sovereignty and making their decades-long struggle pointless.
The decision is seen by many as part of a larger geopolitical plot to undermine Palestinian resistance , portraying it as a lost cause rather than a legitimate struggle for sovereignty and human rights and it has the potential to erase the sacrifices made by generations of Palestinians who have fought for self-determination.
What does Trump see? Is it political gain or strategic intentions ?
According to Trump , this approach is in line with his strategic goals and ideological position. His administration , which has its roots in his « America First » philosophy , has frequently supported close ties with Israel in the name of maintaining regional stability. He would contend that by dividing warring factions and eliminating conflict zones, moving Palestinians would open the door to lasting peace. Critics , however , believe that this is only a front for more fundamental political goals, such bolstering American power in the Middle East and winning over pro-Israel lobbyists before the next election.
– In addition, Trump has a history of making decisions on his own without holding meaningful diplomatic talks. Although he frames his plan as a peace initiative , its unilaterality and disdain for Palestinian opinions raise questions about whether it actually seeks to ease tensions or imposes a predetermined solution that benefits Israel and the United States.
Why did Egypt’s Sisi resist the plan ?
Egyptian President Abdel Fattah el-Sisi rejected any proposal that would involve the depopulation of Gaza , reaffirming Egypt’s commitment to Palestinian self-determination and territorial integrity. Egypt has historically played a crucial role in mediating Israeli-Palestinian tensions and has consistently opposed any solution that undermines Palestinian sovereignty. In a significant regional response to the Trump-backed plan , Sisi refused to meet with Trump if discussions included the exploitation of Palestinian territories.
→ This rejection demonstrates the growing uneasiness among Arab leaders who perceive Trump’s proposal as a grave danger to the stability of the region. Egypt , which is already dealing with economic difficulties and internal security issues , sees forced relocation as a trigger for additional instability that could lead to regional turmoil.
Global reactions : a divided international response Countries like France and Germany have reiterated their support for a two-state solution , warning that such a move could fuel extremism and destabilize the region. Europe and human rights organizations have strongly condemned the policy , calling it an outright violation of Palestinian sovereignty and an obstacle to peace. The wide range of reactions to the plan reflects deep global divisions.
While some U.S. politicians criticize Trump’s approach, others, especially those with strong pro-Israel affiliations , defend it as a strategic move to ensure regional stability.
Meanwhile, Arab countries remain at a crossroads, with some such as Saudi Arabia and Jordan cautiously expressing opposition to any forced displacement while others have yet to take a firm stance. The potential consequences of their decisions will have a significant impact on future diplomatic relations with Israel. On the other hand , Israel’s Western allies, especially the United States, have tried to frame the plan as a necessary security measure.
Conclusion: a precarious turning point !
Netanyahu’s support of Trump’s Gaza plan marks a dramatic change in Israeli policy with far-reaching effects on the region. Although it has the potential to change the geopolitical landscape, it is still unclear how this bold move will affect Palestinians and international relations in general. As reactions from around the world develop , it will be difficult to predict whether it will lead to a lasting peace or further entrench divisions and spark conflict. The fate of Palestine cannot be decided unilaterally and any attempt to do so runs the risk of escalating tensions rather than resolving them.
Written by roukaya berbeche
Share your thoughts