ء 1جانفي 1977
إن المذكرات عادة تحتوي تواريخ صحيحة و كتابات أشد صحة من التاريخ في حد ذاته فهي مشاعر كاتبها و أفكاره تستحي حبرا على الورق ..ء
لكني في مذكراتي هذه إخترت أن لا أكتب سوى الأكاذيب لذلك اخترت تاريخا ليس بتاريخ اليوم و اخترت أن أكتب عن يومي لا كما كان بل كما أردته أن يكون، هذه هي مذكراتي الكاذبة.ء
لعل أجمل ما يمكن أن يبدأ به الرجل يومه هو كوب قهوة سوداء لا سكر فيها.. فأما القهوة فهي خمر الصالحين و أم السواد فهو يليق بالرجال و أما السكر فلا شيء ألذ لي و أطيب لقلبي من أن أحتسي القهوة مرة و أنا أتذوق حلاوة عيناها ..ء
كان الصباح مشرقا .. لا سحب و لا أمطار .. و أكاد أقسم أن الدفء قد تسلل من شبابيك الدار و أخذ يدغدغ أناملي . إنه صباح جميل . كانت تغني -و هي تلف في الدار تمسح الغبار كأنما هي ترقص- موشحا أندلسيا قامت القوافي فيه مقام المجوهرات من اليد فجعل فيه نغما لذيذا ترتاح له النفوس .. و يكاد يكون بلذة صوتها و هو يبعث الحياة في الدار كما يبعث الخالق الروح في مخلوقاته ..ء
إن النهار طويل .. لكنني أتمنى أن يكون أطول حين أكون برفقتها ! بعض الناس مجالستهم دواء للروح، أولئك من يجعلون من نسبيّة الوقت أمرا واقعا ملموسا و محسوسا لا تحده معادلات الفيزياء أو تعقيدات التجارب… ء
من أنا لأخدع نفسي ..ء
كنت أظن أن من المفترض أن أكتب عن يومي .. لكن الكلمات أبت أن تطيعني .. أردت أن أخلق في هذه الجمل واقعا لا بؤس فيه لكنني قضيت الليلة أكتب و قد أخذ منّي البرد مأخذا عظيما .. لم تعد لي القهوة .. بل تفارقنا .. لم يكن اليوم مشمسا بل وكأن الغيوم بُسطت على السماء كبساط من لون رمادي قاتم … لم أسمع أي موشح أندلسي بل كان هزيز الرياح العاتية جل ما سمعت .. قضيت الليلة أكتب لكي أكتشف أن كل ما كتبته هراء أهرب به من
الواقع ربما من الأفضل أن لا أكتب… ربما كان الفراق لنلتقي.ء
بقلم: عطاء مارس
Share your thoughts