Connect with us

Culture

اقرأ تونسي : تمهيد

Oumaima Aouadi

Published

on

[simplicity-save-for-later]

الأدب ..

قد تختلف وجهات نظر المواطنين التّونسيّين فيما يتعلّق  بأهميّة الأدب في حياتهم اليوميّة، و خاصّة التّونسيّ منه.

منهم من يعتبره مجرّد صفحات مخطوطة بكلمات مبهمة و أنّ فهمها حكر على « النّخبة المثقّفة »، و منهم من يعتبره عنصرا مهمّا في حياته لما يضفيه من معنى إلى يومه الرّوتينيّ.

منهم من يعتبره مهربا من نفسه أو من الواقع المعيش و مشاكله العديدة المتراكمة، و منهم من يعتبره مرآة تعكس ما لا يستطيع الكائن البشريّ الاعتراف به بشكل مباشر لنفسه أو لمحيطه.

أمّا أنا، فإنّي أرى حسب رأيي المتواضع أنّ العمل الأدبيّ (على اختلاف ألوانه و أهدافه ) فرصةٌ لإيقاظ ملكة التّفكير لدى القارئ، ليتدبّر أبعاده ومعانيه و ينقده أسلوبًا و محتوًى ثمّ ينزّله على واقعه، ممّا يستوجب المطالعة أوّلا ثمّ البحث و الإطّلاع و عرض مختلف القراءات للأثر.

طبعا لا تخفى عليكم  « سعة » اطّلاع جلّ المواطنين التّونسيّين على ما تزخر به السّاحة الثّقافيّة من أدباء عامّة و التّونسيّين منهم خاصّة، و أعتبر نفسي واحدة منهم. لهذا السبّب، قرّرت كتابة سلسلة من المقالات تهدف للتّعريف بالأدباء التّونسيّين، و اللتي أعتبرها فرصة لنتعرّف إليهم معا و نتدبّر ما خلّفوه لنا من آثار.

لن تحتوي مقالاتي مراجعة للكتب نفسها أو أيّا من آرائي الشّخصيّة، سأحتفظ بها لنفسي فلن يلزمكم شيء منها. إنّما ستحتوي لمحة عن أسلوب الكاتب و الأفكار أو الخطوط العريضة التّي تبنى عليها أعماله، إلى جانب عرض موضوعيّ لمختلف أراء القرّاء و وجهات نظر النقّاد، لأوفّر عليكم بعضا من عناء البحث و التّقصّي.

لا يخفى عليكم أيضا أنّ لكلّ كاتب بصمته الخاصّة، و أنّ كلّ ما يكتبه يحمل جزء من روحه و رؤيته الخاصّة لنفسه و ما يحيط به، ممّا يسمح للقارئ بالولوج إلى عالمه ( نسبيّا ) و يساعده على تلقّي رسالته.

لا أعتبّر نفسي مثقّفة أو ناقدة و لن يكون ما أكتبه مادّة جاهزة للاستهلاك، أحبّذ أن أصفه « بالموادّ الأوّلية » اللّتي قد تمثّل بالنّسبة لكم نقطة بداية رحلة البحث لبناء رؤيتكم الخاصّة.

سيقع اختياري على الكتّاب بصفة عشوائيّة، كي لا ينحصر اهتمامي  على الكتب اللتي طالعتها مسبقا أو بالأحرى  على ما هو أحبّ إلى نفسي منها، و ستكون الكاتبة خولة حمدي محطّة الانطلاق.

أرجو ألاّ تبخلو بمشاركتي آراءكم و اقتراحاتكم، و لنا لقاء آخر مع أوّل مقالات السّلسلة.

Share your thoughts

Continue Reading

Culture

الهايكو: من أرض الشّمس المشرقة إلى لغة الضّاد

insatpress

Published

on

[simplicity-save-for-later]

By

بدأ الأمر بقراءةٍ عادية. كنتُ أتنقّل بين صفحات كتاب «ماتسو باشو: أعمال الهايكو الكاملة»، قبل أن أجد نفسي مأخوذًا إلى عالمٍ آخر، حيث تسكن الكلمات في صمتها أكثر مما تُنطق. كانت مقدّمة الكتاب بوابةً إلى عالمٍ شعريٍّ غريبٍ وساحرٍ. عالم يُعيد تعريف الشعر من جديد. لم أكن أتوقّع أنّ قصيدةً من ثلاثة أسطر فقط يمكن أن تحمل هذا القدر من العمق، وأن تجمع في سطورها الصمتَ والدهشة والتأمّل في آنٍ واحد. وهكذا انبثقت فكرة هذا المقال من لحظة دهشةٍ خالصةٍ. ء

نشأ الهايكو في اليابان القديمة، بين المعابد والجبال وضباب الفجر، حين كانت القصيدة مرآةً لحياةٍ متأمّلة في الطبيعة. في بداياته كان يُعرف بـ الهايكاي، شكلٌ من أشكال الشعر الشعبي، يلتقط الحياة اليومية بلمسةٍ ساخرة أحيانًا، ومتصوّفة أحيانًا أخرى. لكنّ التحوّل الحقيقي جاء مع ماتسو باشو، الذي جعل من الهايكو دربًا للرؤية لا للقول. كان باشو يرى الهايكو ككائنٍ حيّ، يتبدّل مع الفصول، ولا يكتمل أبدًا. ما يفعله الشاعر، في نظره، هو أن يمنحه شكلًا جديدًا دون أن يقطع جذره. كان دائما يُعبّر لتلاميذه بأنّ الهايكو كالماء، لا يتجمّد في شكلٍ واحد، و يعلّمهم أن الشعر ليس في الوزن ولا في الصورة، بل في طريقة النظر إلى الأشياء. أن تكتب هايكو يعني أن تنصت للعالم في لحظةٍ نقيّة، حيث تتلاشى المسافة بين العين والشيء المنظور. هكذا صارت قصيدة الهايكو، بتلك المقاطع الثلاثة (5 أصوات -7 أصوات -5 أصوات — والصّوت في اليابانيّة يُعادل المقطعَ الصوتيّ في العربيّة تقريبًا )، تمرينًا على الإصغاء والسكينة، لا على البلاغة. ومع باشو، غادر الهايكو الطرافة إلى الحكمة، والعادة إلى الاكتشاف. ء

وحين تجاوز اليابان، لم يفقد روحه بل اكتسب ألسنةً جديدة. ترجمته اللغات الغربية في القرن العشرين، ففتن شعراء الحداثة في باريس ولندن ونيويورك مثل بول إلوار وريمون كينو، ثمّ دخل الجامعات والمجلات الأدبية بوصفه نموذجًا مكثّفًا للشعر الحديث. ومع العولمة، صار الهايكو يُكتب بالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، متجاوزًا حاجز اللغة نحو الإحساس الإنساني المشترك. ومع هذا الانتشار، تخلّى الشعراء في اللغات الأخرى عن البنية الصوتية الأصلية (5–7–5) التي يصعب تطبيقها خارج اليابانية، لكنهم حافظوا على روح الهايكو: تلك اللمحة الخاطفة التي تلتقط لحظةً من الزمن أو انفعالًا داخليًّا صافيًا. لم يعد الشكل هو المقياس، بل القدرة على الإصغاء إلى العالم في لحظة صفاء. صار يُكتب في مدنٍ لا تشبه كيوتو، ويصف فصولًا لا تمرّ من هناك. لكنه احتفظ بقدرته على التقاط اللحظة، وعلى جعل الصمت شكلًا من أشكال المعنى. ء

في العالم العربي، وصل هذا الفن متأخرًا، لكنّه وجد أرضًا خصبة في نفوس الشعراء الذين سئموا الضجيج. في الشعر العربي الحديث، نلمح أصداءه عند عزّ الدين المناصرة الذي كتب ومضاتٍ مشبعة بروح الهايكو، وعند نزار قباني في بعض نصوصه الأخيرة التي تمسّ اللحظة دون شرح. كما نجد لدى عبد الكبير الخطيبي تأمّلاتٍ تتقاطع مع فلسفة باشو في النظر إلى الوجود من بين التفاصيل الصغيرة. أما سامح درويش فذهب أبعد في صياغة تجربةٍ عربيةٍ للهايكو، تنبع من الواقع العربي وتظلّ متصلة بجذرها الشرقي. وقد أسهم مترجمون وشعراء عرب في مدّ هذا الجسر الثقافي بين طوكيو وبغداد ودمشق وتونس. أعمال عبد الكريم كاصد، محمد عضيمة، محمد الأسعد، وجمال مصطفى كانت أكثر من ترجمة؛ كانت محاولات لالتقاط النفس الهادئ الذي يتسلّل بين كلمات باشو وبوسون وإيسّا، ونقله إلى العربية دون أن يفقد شفافيته. ء

مع دخول الهايكو إلى لغة الضاد، تغيّر شيء في الطريقة التي نفهم بها الشعر. لم يعد النصّ استعراضًا لغويًا، بل لحظة وعيٍ بالعالم. فقصيدة الهايكو العربي أصبحت مرآةً لعلاقة الشاعر باللحظة، وبالزمن، وبالعزلة، وبما لا يُقال. إنّها تجديدٌ في طريقة رؤية العالم أكثر منها في طريقة الكتابة عنه. وما يثير الإعجاب أنّ الهايكو لم يُلغِ خصوصيّة الشعر العربي، بل حرّرها من ثقل البلاغة، وجعلها أكثر قربًا من نبض الإنسان. فقد كشف للشاعر العربي أنّ الجمال لا يقاس بوفرة الصور ولا بزخرفة البيان، بل بصفاء اللحظة وصدقها. أعاد إليه حسّ الدهشة الأولى أمام الأشياء البسيطة: غصنٍ يلوّح في الريح، ظلٍّ يتقلّص عند المغيب، نظرةٍ عابرة تُوقظ في القلب ذاكرة كاملة. ء

حين انتهيت من قراءة باشو، لم أعد أنظر إلى الوردة كما كنتُ أنظر إليها من قبل. فقد صرتُ أراها قصيدةً كاملة في لحظة تفتّحها، شعرت أنّ القصيدة يمكن أن تُقال في نفسٍ واحد، وأنّ الهايكو ليس مجرّد نوعٍ من الشعر، بل رؤيةٌ للحياة، طريقٌ نحو البساطة، نحو التوقّف عن الركض والعودة إلى الإصغاء.
لقد تجاوز هذا الفنّ اليابان والعربية، ليصبح لغةً كونيّةً للدهشة، تُذكّرنا أنّ الجمال لا يحتاج إلى شرح، بل إلى لحظة صدق. هو الشعر حين يلتقي بالصمت، والوعي حين يلمس اللحظة. ء

ربما لهذا السبب لم يمت الهايكو منذ قرون، بل ازداد حياةً كلّما وُلد شاعرٌ جديدٌ يراه بعينٍ مختلفة. ء

حين يهمسُ الرّيح في بستانٍ قديم
يبتسم باشو في مكانٍ بعيد
ويَكتُبُ شاعرٌ عربيٌّ… هايكو جديد

بقلم: إياد بنسليمان

Share your thoughts

Continue Reading

Made with ❤ at INSAT - Copyrights © 2019, Insat Press