.فصل 8 : كوبا, تشي جيفارا

ي« ان الحب الحقيقي الذي يرويني هي الشعلة التي تحترق داخل الملايين من بائسي العالم المحرومين, شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة. »ي

قال هاته الكلمات مُعلنا عن انبثاق الحب في جوفه وانبثاق الثورة في جوف الشعوب التي أنهكها الظلم والتهميش والاستبداد. ولأن الحب هو المبرر الأساسي للفعل البشري واعيا كان او لا واعي, فإن حب الطالب في الطب ارنستو تشي جيفارا  دفعه الى سبر اغوار أمريكا اللاتينية خلال رحلة هو وصديقه البيرو جرانادو على الدراجة النارية. تخيل معي  فقط مقدار روعة هذه الرحلة, انت وصديقك الذي يشاركك أفكارك الجنونية على دراجة نارية تكتشفان أمريكا اللاتينية, حتما ستستمتع بالطبيعة الخلابة, ستصادف شعوبا وثقافات مختلفة, كنت ستتجول في أرجاء المدن وتتذوق الأكلات الشعبية, والكثير من المغامرات الاخرى, ثم تعود الى مسقط رأسك فرحا مسرورا. لكن الشعلة المحترقة  في قلب جيفارا شغلت عينيه عن جمال الطبيعة وحواسه عن المحسوسات وأيقظت فيه وعيا بالواقع المعيش للمجتمعات، بالباطن النابض بالالم. رأى في كل بلدة الظلم والاستبداد قانونا، والفقر والتهميش أسلوبا للعيش، والأراضي, مليئة بعرق الكادحين ودموع المهزومين ووقع الأقدام الحافية الراكضة وراء مستقبل مجهول، وغصة مدفونة في قلب التراب قد أينعت حنضلا وحان وقت قطافه.  في كوبا كان القطاف قد ابتدأ، مجموعة من الثوار الاحرار ما أمكن لهم أن يكونوا  هم في ظل قمع حاكمهم فولهنسيو باتيستا، تجندوا وكانوا في إنتظار خروج قائدهم فيدل كاسترو الذي سجن من قبل باتيستا. في الأثناء، كان تشي جيفارا قد بلغ كوبا وبلغت شعلته أوج توهجها، وما إن صادف مجموعة الثوار هذه حتى تحول التوهج إلى نار حارقة وقرر ان ينظم إلى صفوفهم سنة 1955 ويحارب من أجل تحقيق الحرية والحق والعدالة والعيش الكريم، كان ذلك اثر خروج كاسترو من السجن. ولأن « الثورة قوية كالفولاذ ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن » انتصر الثوار وقاموا بالاطاحة بالديكتاتور باتيستا في 31 ديسمبر 1958 واستبدلوا حكومته. لم يكتف ارنستو بالثورة الكوبية  وقرر لها ان تكون خطوته الاولى نحو الثورة العالمية التي مثلت في اعتقاده العلاج الوحيد لورم الانسانية. فكانت الكونغو كينشاسا ومن ثمة بوليفيا أهم محطاته التالية. في ظل محاولاته إيقاظ الشعوب وتحريضها ضد ساحقها المستبد ألا وهو النظام الرأسمالي الإمبريالي, انتشر اسم تشي جيفارا وانتشرت أفكاره، ليصبح رمزا للثورة وشارة لها في كل أرجاء العالم. الا ان الامبريالية بطبيعتها متوحشة، وبمساعدة من القوات البوليفية  أطاحت وكالة الاستخبارات المركزية بجيفارا في بوليفيا وتم اعدامه.  خفت ضجيج تشي انطفأت ناره وانقطعت أنفاسه، ليعم محلها ضجيج ثوار العالم وتلتهب نيران المتمردين على القمع والطغيان ويهب نسيم الأحرار محييا أنفاس جيفارا في القلوب والعقول. ارنستو تشي جيفارا، طاقة تتولد من رحم بؤس العالم، تاريخ ابتدأ يوم 14 جوان 1928 في روزاريا  الأرجنتين وأصبح مستقبلا عقب موته يوم 9 أكتوبر 1967, » كن هادئا وصوب جيدا انت في النهاية ستقتل رجلا » هذه كانت آخر كلماته.ؤ

هذا النضال الذي انتظم مساره مع تشي جيفارا لم يعد يعرف له حدودا ، « إذ ليس بالإمكان أن نبقى غير مبالين امام ما يحدث في أي جزء من العالم ».ؤ

.كتابة : مريم سليم