À vos plumes
ما لا تعرفه عن البشر
Notice: Undefined variable: post in /home/insatprecm/www/wp-content/themes/insatpress2019/amp-single.php on line 116
Notice: Trying to get property of non-object in /home/insatprecm/www/wp-content/themes/insatpress2019/amp-single.php on line 116
Notice: Undefined variable: post in /home/insatprecm/www/wp-content/themes/insatpress2019/amp-single.php on line 117
Notice: Trying to get property of non-object in /home/insatprecm/www/wp-content/themes/insatpress2019/amp-single.php on line 117
كدت أختنق من رائحة التبغ المنبعثة من أفواه روّاد المقهى، أشار الأستاذ مصطفى إلى طاولة منزوية في ركن داخلي لم تصل إليه مجالس الورق و الدوم ينو. علمت أنّه زبون قديم من حفاوة استقبال طاقم المقهى له. خلع بذلته بعناية و وضعها حول الكرسي، ثم سحبه و هو يشير إلي بالجلوس. كنت أتصرّف مثل الأبله على الأغلب، لا أدري ما الذي كبّل حركاتي و جعلني أرتبك، ربّما كان الخجل من عيون من في المقهى.
ما إن جلست حتّى تدرجت في اتجاهي سيجارة سويسرية. فتبسّمت و أومأت بالرفض للأستاذ. ضحك و قال:
-يبدو انّك لا تدخّن حتّى تأتي قهوتك.
– كلّا أنا لا أدخن البتّة و لا اشرب القهوة.
– إذن لم أردت أن تأتي معي للمقهى؟ لتشرب كأس حليب و تنام على انغام ام كلثوم؟
– أنت من استدعاني و ألح على قدومي..
– كنت تستطيع أن تختلق أعذارا و ترفض، لكنّك في الأخير أتيت معي إلى هذا المكان الصاخب. هل كان من الصعب أن ترفض هذه الدعوة؟
– بل لم أرد ان أرفض دعوتك الأولى..
– إذن أنت تختبرني.. توقّعت ان تكون مجالستي أمرا شيقا و مسلّيا؟ أخبرني، هل من المسلّي ان تكون بين كل هؤلاء، ان تستمع إلى ضجيجهم.
– بل المسلّي ان أتحدّث إليك.
– لا تحاول ان تتملّق، خنساء لا تسمعك الآن. اعتقد انّها تذكرك في أوراقها المبعثرة، او تتلو في مخيّلتها حواراتك الشيّقة.
– ما الذي يدفعك لأن تقول كل هذا بكل هذه التفاصيل؟
– تريّث يا فتى.. اعلم كل هذا لأنها إبنتي.
صمت قليلا و نظر نحو فنجان القهوة الذي وضعه النادل دون أن ينتبه إليه، ثم واصل:
– اتدري لم أختار هذا المقهى يا درغام؟
– لأنّهم يطهون قهوة رفيعة؟
– على العكس، البنّ هنا بنّ بخس و ذو مذاق عادي.
– لأنّك تعوّدت على القدوم هنا؟
– إقتربت من الإجابة الصحيحة، دعني أشرح لك : كل ما أفعله هنا هو المراقبة. في كل مرّة أقترب أكثر لأفهمهم، لأستمع على أحاديثهم، لأستخلص عبرة جديدة. هؤلاء الذين يلعبون الورق حتّى يطردهم النادل، يملكون شخصيات مختلفة. في كل مرّة آتي إلى هذا المكان احاول فهم مشاعرهم، أفكارهم، أراءهم. ليس لأنّي أهتم كثيرا، أو لفضول فيّ بل هي رغبة في سبر أغوار المشاعر.
– لم افهم أي شيء. ما المثير للإهتمام في هؤلاء؟ ما علاقتك انت بالأمر برمّته ما دمت لا تهتم؟
– درغام , هل تعتقد أن العلم مصدر قوّة ؟
– من أي ناحية؟
-حين تكتسب علما في مجال ما، تصبح قادرا على التغيير و التطويع. تمتلك قدرة اكبر على تسيير الأمور.
– بلى.
– إذن ألا ترى أنّ البشر هم كائنات مازلنا لا نعلم الكثير عنها؟
– تتحدّث و كانّنا المرّيخ. انت بشر مثلنا.
– أنا بشر مثلك، و لكنّك لا تعلم ما الذي يدور في ذهني. ماهي أهدافي، ما الذي جعلني اقترح عليك شرب قهوة في مقهى مثل هذا المكان المكتظ. انت غير قادر على تفسير تحرّكاتي و أفعالي. لمجرّد انّي لم أخبرك بأي شيء. أنت الآن عاجز على الردّ، و على توقّع ردّي. أنت تجهلني. لو كان لك علم ولو بسيط بما يدور في ذهني، لكانت إجاباتك مختلفة.
– فهمت. ولكن إلى ما ترمي بكلامك هذا؟ تريد أن تفهم مشاعر الناس؟
-ربّما، هي جزء بسيط من عالم معقّد. دعنا من ذلك، فنلعب لعبة الإستجواب، ستكون مسامرة فريدة من نوعها معك.